استدلال من يوجبون الاستثناء في الإيمان بأن الإيمان ما وافى العبد ربه به
قال رحمه الله: (أما من يوجبه فله مأخذان: أحدهما: أن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان)، فالإيمان بالنسبة لأي مكلف هو ما مات عليه، وما وافى الله به؛ باعتبار اللحظة الحاضرة، فمن لقيه على الإيمان فهو مؤمن وإن كان اليوم كافراً، ومن لقيه على الكفر والردة -والعياذ بالله- فهو كافر وإن كان اليوم مؤمناً.
يقول: (فهو باعتبار الموافاة، وما سبق في علم الله أنه يكونوا عليه، وما قبل ذلك لا عبرة به، والإيمان الذي يتعقبه الكفر فيموت صاحبه كافراً هذا ليس بإيمان) فعلى هذا لا بد أن يقول العبد: إن شاء الله؛ لأنه لا يدري بم يلقى الله، وربما والعياذ بالله يرتد، فيقولون: هذا ليس بإيمان، ويشبهونه -وهذه التشبيهات كثيراً ما تضل فيها الأفهام؛ لأن الفرق في التشبيه دقيقاً أو غامضاً -بالصلاة إذا أفسدها صاحبها قبل الكمال، فمثلاً: صلاة العشاء أربع ركعات، فلو أدى الثلاث الركعات كلها سليمة كاملة الواجبات والأركان والسنن لكنه في الركعة الرابعة ترك ركناً من الأركان متعمداً، فهذه الصلاة باطلة، ولا تسمى صلاة لأنه أبطلها، هذا رأيهم، وكذلك الصيام، فلو صام إنسان في وقت الصيام الشرعي من قبل طلوع الفجر إلى قبيل الأذان ولو بدقائق، ثم أكل عامداً متعمداً وهو يعلم أن الشمس لم تغرب؛ فصيامه باطل، قالوا: فكذلك الإيمان، فإذا ارتد أو كفر فإنه يبطل إيمانه، فكما أنه لا يسمى ذلك مصلياً -على كلامهم-، ولا يسمى هذا صائماً؛ فكذلك لا يسمى العبد مؤمناً، ولا يعد مؤمناً، ولا يستطيع هو أن يحكم على نفسه أنه مؤمن إلا إذا أتم ذلك، وإذا سلم من الصلاة التسليمة الثانية أو الأولى -على خلاف- فصلاته كاملة صحيحة، فهذا نقول عنه: إنه قد صلى، وكذلك إذا أمسك حتى أدبر النهار من هاهنا، وأقبل الليل من هاهنا؛ فهذا الذي يقال: إنه صام، فالإيمان بما أنه مطلوب منك في عمرك كله، وأن تلقى الله تعالى به لا تغيره، ولا ينقطع؛ فلا تستطيع أن تصف نفسك بأنك مؤمن إلا إذا أسلمت الروح وأنت على ذلك.. هذا هو المأخذ الذي يستدلون به.